نلتقى اليوم في هذا الملتقى الوطني تحت عنوان « المسؤولية الطبية »، بغرض البحث في الإشكال الذي حدّده منظمو هذه التظاهرة العلمية وهو : « ما هي الضمانات التي تكفل حماية المرضى من أخطاء الأطباء في ظلّ التطورات الحديثة في نظر كل من الفقه، والقضاء والتشريع؟ » وذلك بقصد : « -* الوقوف عند المشكلات القانونية التي تواجه العمل الطبي »
إنّ لجوء الأفراد إلى المرفق الطبي يكون في الغالب الأعمّ من أجل الحصول على العلاج، ولكن على الرغم من هذه المهمة النبيلة للمرفق الطبي، فإنّه قد يترتب على القيام بها بعض الأضرار التي تصيب الأشخاص الخاضعين للعلاج، بل وحتى الغير، مما قد يؤدي بهؤلاء إلى رفع دعوى ضد المرفق الطبي من أجل الحصول على التعويض، ونظرا لأنّ الإختصاص بنظر هذا النوع من المنازعات ينعقد للقضاء الإداري( )، فإنّ ذلك معناه أنّ الأمر يتعلق بمنازعة إدارية يكون المدعي المتضرر فيها في الغالب الأعمّ صاحب المركز الضعيف في مواجهة الشخص العام المدعى عليه صاحب المركز القوي، وهذا ما من شأنه أن يصعب مهمته في الحصول على التعويض...
يقصد بالعمل الطبي ذلك النّشاط الذي يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في فنّ الطب، ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض، والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجيا، أي يستهدف التخليص من مرض أو تخفيف حدته، أو يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة، أو الوقاية من الأمراض( ).وفنّ الطب من بين الفنون التي تشمل أصولا علمية ثابتة ومسلم بها من طرف أهل العلم والاختصاص، ولا يتسامحون في من يجهلها أو يتخطاها فيمن ينتسب إليهم، وهذه الأصول تتطلب منهم الكثير من التفكير والحيطة في أداء هذه الأعمال
متى قامت المسؤولية الطبية تترتب عنها اثار قانونيه، وهو وجوب الضرر اللاحق بالمريض أو ذويه، وجبر الضرر لايكون إلاّ وفق ما حدّده القانون أي وفق دعوى قضائية، فإذا كانت المحاكم قد حققت تقدما معتبراً نحو أحسن تعويض للضحايا، فإنّ المحاكم الادارية لم تبق مكتوفة الأيدي، بل أصبح القضاء الإداري في هذا المجال محفزا لمحكمة النقض حتى تخطو خطوة هامة نحو هذا الموضوع
تتعلق مهنة الطب بمقصودٍ عظيمٍ من مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس، ويُعتبر هذا القصد مشترَكاً إنسانياً عاماً لا يختلف أحد على أهميته وأهمية هذه المهنة ونبل القائمين عليها، مهما كان جنسهم ودينهم وفلسفتهم للحياة الإنسانية؛ وإنّ امتداد آثار التطور العلمي الطبي إلى بعض المجتمعات قد يفضي إلى وجود شرخ واسع ما بين طبيعة الممارسة الطبية المتقدمة والمتشعبة اليوم وبين القوانين والضوابط التي تحكم العلاقة المهنية بين الطبيب والمريض، ولعل هذا أبرز ما يكون في الدول والمجتمعات التي تكون التقنينات الطبية فيها مستوردة لا أصيلة، بحيث لا يكون هناك مجال زمني لمجاراة التطور العلمي بالضبط القانوني والأخلاقي…
إنّه بفعل التطورات العلمية الحديثة والمتسارعة في المجال الطبي، وما يترتب عنها من ظهور وسائل وطرق علاجية جديدة باستمرار من جهة، وانتشار أنواع أخرى من الأمراض من جهة ثانية، ازداد عدد المتضررين من النشاط الطبي بمؤسسات الصحة العمومية نتيجة لتعدد وتنوع الأخطاء الطبية المرتكبة من قبل مستخدمي هذه المؤسسات من أطباء وشبه طبيين، مما جعل من المسؤولية الإدارية الأداة القانونية الفعالة لمواكبة هذا التطور بإيجاد توازن يهدف إلى خلق جو من الطمأنينة لمستخدمي هاته المؤسسات أثناء ممارستهم لمهامهم من جهة، وتوفير قدر كافٍ من الحماية للمنتفعين من الخدمات التي تقدمها بإنصاف المتضررين من نشاطها الطبي، وحفظ حقوقهم في طلب التعويض عن ما لحقهم من ضرر من جهة أخرى.
مهنةُ الطبّ مهنة إنسانية، معقدة بسبب ما قد تسفر عنه من إصابات في جسم الإنسان قد تؤدي أحيانا إلى وفاته، كما أنّ الطبيب إنسان ليس معصوما من الخطأ، إضافة إلى تطور العلم وإتساع أفاق المعرفة مما أدى إلى زعزعة ثقة المريض في الطبيب الذي يعالجه وبفضل قواعد مسؤولية الطبية تلاشت فكرة حصانة الطبيب المهنية المطلقة عن أخطائه الطبية، وأصبح خروج الطبيب عن السلوك الفني الصحيح وعن القواعد الطبية المعروفة يؤدي لا محال إلى مساءلته جزائيا عن أخطائه سواء كانت بحسن نية (غير عمدية) أو كانت بسوء نية (عمدية). وإنّ الأعمال الطبية بمفهومها الواسع أصبحت تحظى اليوم باهتمام كبير من طرف العديد من دول العالم، نظرا لما تثيره من مشكلات قانونية حديثة تنصب كلها حول موضوع الحماية القانونية لحرمة الكيان الجسدي للإنسان من المخاطر والإعتداءات التي قد تصيبه كنتيجة لإساءة استخدام الطرق الحديثة.
يمكن أن تنشأ المسؤولية الطبية الجزائية، إذا ما عرض الطبيب المريض لخطر غير مبرر، ويستوي في ذلك أن يكون هذا التعريض للخطر بفعل أو بامتناع، حيث إنّ التعريض للخطر بسلوك سلبي، أي عن طريق الامتناع، يتمثل في جنحة عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر(...).
إنّ التّطور العلمي الحاصل في العقود المتأخرة وفي الميدان الطبي بالذات ليشكل بحقّ طفرة لم تسبق لها البشرية من قبل، وتتمّ في شكل متسارع جعل المشرع تغيب عنه الكثير من التقنيات الحديثة التي لم يستطع الحد من تجاوزاتها.
وقد نال مجال نقل وزراعة الأعضاء البشرية رواجا كبيرا شهد على شهرة علماء طب دوليين، لكنه وفي المقابل شجّع على ظهور سماسرة دوليين يقومون بدور الوساطة بين تجار قطع الغيار الآدمية، وللأسف بعض الأطباء هم الذين يقومون بالعملية الجراحية.
أصبح للعمليات التجميلية أو كما يسميها الأطباء العمليات التحسينية دور كبير في حياتنا اليوم، فكثيرون يرونها الحلّ والمنفذ الوحيد للتخلص من العيوب التي يعانون منها، وكثيرا ما تكون ذات أهمية نفسية أكثر، هذا وقد أصبحت من العمليات المعترف بها في جميع الدول، وهي تتميز عن غيرها من الجراحات بأنّ إجراءها أمر كمالي وليس ضروريا من أجل استمرار الحياة، لذلك كانت أكثر التشريعات صارمة فيما يتعلق بمسؤولية الطبيب في جراحة التجميل حين وقوع الضرر خلافا لما هو عليه في العمليات الأخرى، وفي الحقيقة لا تختلف مسؤولية طبيب التجميل الجنائية والمدنية عن مسؤولية الطبيب عموماً، فهو يتحمل مسؤولية الأضرار المترتبة عن الخطأ الذي ارتكبه